JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

السعادة مع الخيال ( 18)




بقلم الكاتبة السورية أ. شريفة زرزور - صحيفة إنسان

 

أتخيل أني غدوت امبراطورة البلاد .

أتخيل أني أجوب  العالم على صهوة جواد .

أتخيل أني أطير في عالم يفوح بالجمال و الأمجاد .

لنا في الخيال حياة ، و لنا في الخيال سعادات ممشوقة تمخر السماء تمتد كمحيط أمام عيون حالمة تواقة للبهجة و الفرح  و السرور

سأطلق العنان لخيالي كانطلاقة فارس مغوار ، أو كسهم يصوب من رمح رام متمرس على مرمى جائر متمرد .

سأنعم بحياة طالما رجوتها و ابتسم مرحبة بقدومها تماما كما شئتها و رسمتها بأناقة ريشة فنان .

سأستنشق شذى شجرة ياسمين ترتخي بدلال على جدار قلعة دمشق العتيقة تروي له حكايات عشاق من مروا بها و استعاروا زهرها ليزينوا أحلامهم الباسقة ، و سأرتشف القهوة المرة تحت ظلالها و أغفو على هدهدة حضنها .

سأستيقظ على أبواب القدس متأملة عظمتها منتشية بصلوات في مصلى قبة الصخرة و هالة الكنائس المجيدة ، ثم سأغزل جناحين جسيمين لأحلق إلى سماء أرض تتكحل بزرقة النيل و أراقب بخشوع أهرامات مصر العظيمة حيث سأتركها متربصة للآتي بكل تحدي لألبي دعوة رسمية فخمة من ملوك بابل لمجالسة الأطلال الأثرية و استمع لروايات الخلود و أفتح حديث بطول دجلة العراق لا يقاطعني إلا شهوة تنتابني على حين غرة لاعتلاء فرس بكل خيلاء في مهمة سماوية للحرم الشريف أسجد أمام محرابه لأتلو آيات قرآنية .

ماذا لو احتسيت القهوة الإيطالية في شوراع روما العريقة ، و وقفت برهة أتأمل الكاثدرائيات المهيبة ، ثم أشهد مبارزة المتصارعين أسفل الكولوسيوم ذلك المدرج الروماني العملاق .

و ماذا لو عررجت بعدها على غرناطة لتسنح فرصة أمامي لتسلق جبال سييرا نيفادا إلى أن يحل الشتاء بخيرات السماء البيضاء فأقصد جبال الألب و أبلغ قمة مون بلون ، تلك القمة الناصعة البياض حيث يتجلى الجمال قديسا متنزه عن الأخطاء و العثرات ؟

افتح عيني لأجد ابتسامة عريضة ارتاحت على وجهي ،

و ألمس قلبي نابضا فرحا و طربا و تهليلا بجولة في دهاليز خيالي لم تكمل عشرة دقائق من عمري درت خلالها الكون على قدمين دونما تعب .

اقتنيت الحلي ، و قطفت أبهى الألوان و تذوقت ما لذ و طاب .

تقاسمت الحب مع من أشاء و تجرأت على فعل المستحيل ، تحديت كل الطوارئ و الأزمات و تجاوزت الأنظمة و القوانين فلا يوجد رقابة على الخيال .

أحلام يقظة تسللت بخفة ساحر و عزفت على أوتار آمالي ثم استرخت كأمبراطورة جليلة تؤمر لتلبى و تطاع فما يكون مني إلا إماءة من رأسي للولاء .

خيالي أبهج يومي و حقق سعادتي المنشودة فتراءت لي مشيئتي جلية بددت أوقات مللي و شتت سلبية طاقتي و استردت ايجابية أفكاري لأبهر الكون بإبداع ترفع له قبعات الحياة ، و تستدرج أفكارًا أكثر تفاؤلا و أملا فالذاكرة كما تدرون تتصف بالترابطية فكل فكرة تجر مثيلاتها بعدها كسيل جارف ، فالنستهل خيالنا بأفكار الحب و لنعصف ذهننا إيمانا بالحياة الناجحة المفعمة بالسعادة بكل طقوسها و مراسم مكوثها .

فتخيلوا يا أصدقائي ما تصبوا إليه نفسكم السامية و ظنوا بالله أن يقلب الخيال حقيقة أليس الله من قال في محكم آياته :

( أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فاليظن عبدي بي ما يشاء ) ؟

جوبوا المحيط على رؤوس أقدامكم و اقطعوا الصحاري بسهام عيونكم  و حطموا الجبال بأناملكم  و اعزفوا على أوتار الغيوم ، ثقوا في خيالكم ، فالخيال مجانا و منحة لجميع العقلاء .

اذا دعونا نتخيل الجمال و النجاح و الصحة و الحب  و الأمان ، و لننأى بأنفسنا عن التشاؤوم و الحقد و الكراهية .

فالخيال سعادة يجر سعادات .

الاسمبريد إلكترونيرسالة