JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الأمومة وأشياء أخرى




بقلم أ. آية السيابي - صحيفة إنسان

 

يتوجّب على المرأة التي تسعى إلى المثالية باختلاف لونها ولغتها، أن تنفق الجزء الأكبر من شبابها في الحمل والإرضاع والرعاية لتكسب بذلك لقب أم بلا شائبة.

 

ونشهد اليوم سخط بعض الرجال ومطالباتهم بتخصيص تاريخ يحتفى به بيوم للأب كما فعلت بعض الدول المتقدمة اليوم.

أتساءل هنا، هل الأبوّة والأمومة مركزان متساويان؟ وهل تتعادل الكفّتان بين الدورين؟ فلنقيس المسألتين بينهما الآن ونرى أي كفّة منهما ترجح. وخلافا عن رحلة الأشهر التسعة.. أعتقد شخصيا أن وجود طفل في العائلة لا يشكّل اختلاجا كبيرا في حياة الأب بالقدر الذي تثيره التغييرات الجوهرية في حياة الأم. سوف يواصل الأب يومياته على نفس الوتيرة وبالقدر المتماسك نفسه. وهذا هو السبب الذي يجعل أغلب الجهات الرسمية في العالم لا تمنح الأب إجازة أبوّة Paternity leave بعد ولادة طفل له. بينما الأم، يثير هذا الكائن الذي يتمركز في كيس بطنها -متّحدين معا- حولها زوابع شتى! بدءا من تركيبتها الجسدية واضطرابات الهرمون والتبعات الجسمانية جراء انسلال طفل من ظلماتها، وانتهاءا بالانشطار الكبير الذي يسببه وجود الطفل في وقتها الخاص. مهيمنا مسيطرا على كل لحظة معها وكل قرار لها. فضلا عن التذبذب في نومها فهو يتسلل أيضا فيما بينها وبين سريرتها ليثير الزوابع في سلامها الداخلي. 

الأمومة شعور تراكمي. في تصوري الشخصي، لا تُصاب الأم بشعور الأمومة دفعة واحدة في لحظة الولادة -كما كنتُ أتصوّر جهلا قبل أن ينتشر فيّ إكتئاب مابعد الولادة- ولكنها تمتلئ به عندما تُتقن لغة التخاطب بينها وبين صغيرها. بالنسبة لي، أصبت بهشاشة الشّعور. حتى أصبح دمعي حاضرا بلا دعوة واضحة! كيف لهذا الكائن الصغير أن يخلق في نفسي كل هذا التذبذب والاضطراب الذي لا يهدأ! بدا لي هذا وكأنني أُخذتُ على حين غرة! وأصبح لزاما عليّ أن يرافقني هذا الكائن في أوقاتي جميعها! رفقة حقيقية على المستوى الواقعي. ورفقة مجازية على المستوى النفسي.

ولأخبركم شيئا! أن تبحث عن خصوصيتك في مساحات وقتك التي تض١يق كلما اتسعت بك الدائرة ماهو الا ترف عبثيّ فائض. يشبه تماما ما يفعله المشرّد او (الهومليس) بلغة سكّان كاليفورنيا (وهم كثر في هذه المدينة) الذي يحاول بناء حواجز واهنة حوله للإشارة الى محيطه الخاص منافسا بذلك المحيطين حوله في أنفاق محطات القطارات الصاخبة ليل نهار.

إنّ طفلي -الذي أصبح الآن في أسبوعه الثاني- يبكي! قيل لي أن بكاؤه لا يكون إلا لسببين.. إما أنه بحاجة إلى إستبدال غياره بغيار جديد أو أنه جائع.. ولكنني في هذه اللحظة بالذات لا أملك القدرة على هذا المجهود! أنا منهكة تماما.. لم أبتعد عن سريري إلا بمقدار خطوات للذهاب إلى دورة المياه.. أنا مفرغة تماما من أي طاقة! حتى الأكل.. لا أرغب به ولا يرغب بي! فرائحته تنفّرني منه.. أنا أركن فقط إلى البكاء الصامت. لأن دموعي تسيل لوحدها دون إذن منّي.. حتى الحديث أشعر أنه طاقة فائضة أفتقر إليها. هل هذا يعني أنني أصبتُ بأمومة في غير أوانها؟! أم هي في الأساس نزلت في غير مقامها!.

كنتُ أشعر بالعدميّة.. واللاتماسك! وكأنني نثارا أمام رياح مزاجيّة لعوب! وأنا في دوران لا يشتهي السّكون.. كيف لي أن أنزع عني ما لم يلِق بي يوما! أنا أكره العبوس والالتفات بغير هدى! وأكره أن أكون يوما قطة وجلة، يندس صغارها تحتها طلبا للحماية والدفء. أكره أن يجرفني طوفان العمر وأنا في فوضى زحام تربيتي لطفلي بلا نجم ولا هداية. أكره أن تتسع دائرتي فأتضائل وتغترب فيّ أناي. ولا أن تضيق فأختنق بكل ما بي! أنا لا أعرفني! أتسرّب من ثقوب غربتي! كيف وصلت إلى هنا وقد وضعتُ قدمي توا.

لطالما كانت جدتي تكرر، أن لا يجب لمس المصحف الطاهر ولا قراءة السور لأنكِ نجسة! ولا يجب مصافحة زوجك الطاهر وإلا تدنّست طهارته.. وكانت تستشهد برواية -يبدو أن النسوة لاكتها كثيرا في ثرثرات مجالسهنّ أمام النفساء- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمد طرف عصاه لمصافحة إمرأة نفساء حتى يتجنّب تدنيس طهارته! هل الله أيضا يبرأ مني ولا يحب سماعي وأنا في قمة إحتياجي له فترة النفاس؟! وهل تغزوني الشياطين الآن وأنا عاجزة عن ردعها بآيات الله لأنني نجسة؟! إذا فأين السبيل؟! هل يشعر الأب بجزء يسير من فوضى المشاعر هذه التي تعتري بعض الأمهات مثلي؟!. إذا فخليق بالرجل الأب ألا ينادي عاليا بمساواة مكانته والمرأة الأم! اذ حتى في الدين الاسلامي الحنيف، يحثنا الرسول الأعظم بتقديس منزلة الأم بقوله: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبيك. مؤمنين بأن المهمة التي تتفرد بها المرأة فقط هي الحفاظ على تناسل الجنس البشري.

الاسمبريد إلكترونيرسالة