JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

الجفاف العاطفي




 بقلم الكاتبة الجزائرية أ. بلقيس حمودي - صحيفة إنسان


عبر صفحات التواصل الإجتماعي يحاولون أن يشبعوا مشاعر لم ترتوي و يملؤا فجوة بحجم صحراء  , و رغم أن المشاعر التي يعيشونه في هذه المواقع مصنّعة و مصطنعة لكنهم يتشبتون بها تماما كما يتشبت الغريق بقشة. ففي هذه المواقع تعرّت المشاكل الأسرية و خرجت إلى العلن معلنة عن إسم المرض الذي بات يتهددها.

إنه أشد درجات البخل قسوة  ,فهو يحرمك من مشاعر تحسسك بأهميتك و قيمتك كإنسان بإختصار يحرمك من حقك الطبيعي في  الإرتواء من ينبوع الحب و الحنان الذي من المفروض أن تغدق به الأسرة على جميع أفرادها ,هو  مرض يحوّل المنازل إلى فنادق للنوم و الأكل, يجعلها بارد برودة الثلاجة , فارغة فراغ أرواح أصحابها .

 البعض أطلق عليه مسمى  الفقر العاطفي و  البعض الأخر وصفه  بالجفاف العاطفي, لكن المسمى لا يهم المسمى بقدر ما تهم الأثار التي يخلفها, فهو من أكثر الأسباب التي تعجل في كتابة السطر الأخير من حياة أسرة ليضع نقطة النهاية لها .

ففي غمرة زحمة الحياة و مشاغلها ينسى الناس أو بالأحرى يتجردون من المشاعر التي تصبح لديهم من الكماليات التي لا يسمحون لأنفسهم العيش بها أو عيشها , فهم لا يملكونالوقت لذلك, ليتحول الحب بمفهومه العام إلى هراء و المشاعر إلى تفاهة بإختصار يتحول الإنسان إلى ما يشبه صخرة في قساوتها  و الصحيح إلى جسد بلا روح يتعامل مع محيطه ببرودة قاتلة لا يعرف للعطاء معنى حتى مع أقرب الناس إليه , لغته الوحيدة هي الأمر و النهي و الزجر.. و الأخذ بدون مقابل , فتذبل العلاقة و تموت. كيف لا و هي لم ترتوي  فأصابها الجفاف , فيترجم الظمآن  أدنى معاملات اللطف إلى حب و ليلجأ العطشان إلى ينبوع يسقيه سما لكنه يستلذه لفرط ظمئه . و من سخرية الأقدار أن  يجد من أبدع في قتل المشاعر ذات يوم نفسه بعد ذلك  يبحث عن من يشعر به لكن هيهات فلا حياة لمن تنادي ففاقد الشيء لا يعطيه .

من المنصف أن يعترف الناس حتى و لو بينهم و بين أنفسهم أن المشاعر حياة الروح فإذا كان الدواء يعالج الأمراض الجسدية تبقى مشاعر الحب و الحنان أقوى ترياق للأمراض النفسية و الروحية , فالحب شعور بالأمان و راحة لا يمكن التعبير عنها و لا وزنها إنها فيض ينساب من الروح ليعطينا الحياة .

و إذا كان كما قال نجيب محفوظ( من أجمل المشاعر على الإطلاق أن تجد شخصا واحدا في هذا العالم تستطيع الحديث معه في أي شيء , أن تخبره بكل شيء دون أن تتجمل و أن تفكر , أن تحكي له كل أفكارك مهما كانت سخيفة و مخزية و مؤلمة , دون أن تراودك أطياف القلق من تغير نظرته عنك , أن يمنحك القدرة لتحب نفسك بكل نواقصك أكثر ) فإن من أصعب و أقسى المشاعر ألا تشعر بأي شيء على الإطلاق .


الاسمبريد إلكترونيرسالة