JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

(( ألا ليتَ قَدركَ بيدي ))



بقلم الكاتبة السورية أ. إلهام ناصر - صحيفة إنسان

 

كانت تحبه جدًا، تمسح بالعود على لحيته الناعمة، تنظر إليه و كأنما هي في عالم آخر، تقبله في كل حين و حين، كان حبيبها و صغيرها المدلل، كان  أجمل شيء في حياتها، فهي لا تملك غيرهُ في هذه الدنيا، إنه حنان قلبها و فلذة كبدها، كانت حياتهما في غاية السعادة و الهناء، إلى أن أتاه ذاك النداء، نداء الشهادة و الوفاء، نداء التضحية و الشجاعة، فما كان له إلا أن يقبل بذلك، أتى مسرعا يزف إلى أمه البشرى، كان سعيدا بذلك يظن أنه سيعود لها سالما و سعيدا بالنصر، إلا أن هذا الخبر كان بمثابة زلزال لقلب أمه لم تكن تتوقع ذلك، تذكرت لحظة استشهاد والده أمام عينيها، ف ما كان لها إلا أن تعانقه عناقا شديدا و تبدأ بالبكاء، بعد بضع دقائق نظر إليها و مسح دموعها و قبل رأسها و وعدها أنه سيحقق ما بات ناقصا من واجب والده و أنه سيكون فخرا لهما، جلست بجنح الليل تدعو و تشكو و تبكي فما لها غير الله من معين.

ها قد جاء اليوم الموعود، يوم الفراق، يوم وداع حبها، ها هو بطلها المدلل قد تجهز على أكمل وجه لما يبقى له إلا وداعها، وقف أمامها و جلس على الأرض يقبل قدميها و رأسها و يديها، فلم تنسى أن تمسح العود على لحيته، و لا أن تشم رائحته الجميله لم تنسى شيئا، ها هو بطلها في أتم الاستعداد، و لن تحزن سيعود إليها، هي على يقين بذلك و لن يخيب ظنها بالله أبدا..

انطوت الأيام و تلاهى الشهور و هي على أحر من الجمر، تنتظر مكالمته، أن تستعد لموعد قدومه، أن تسمع خبر انتصارهم، أن تعد له حلواه التي يحبها، أن تغني له أغنيته المفضله عندما كان صغيرا،  فهذا اليوم هو يوم البشرى، إلا أنها لم تشعر بذلك أبدا، و كأن هناك سكاكينٌ تقطع قلبها..

و إذ بالهاتف يرن.. الأم: ألو محمد حبيبي.. الرجل: والدة محمد؟! الأم: نعم تفضل أنا والدة محمد.. الرجل: أختي أريد أن أزف لك البشرى محمد أصبح شهيدا.. سقطت على الأرض، لا تدري ماذا تفعل، ذهب حبيبها، ذهب محمد، و ظلت تردد: أين أنت يا محمد لقد وعدتني...

شرعت بالبكاء الشديد، ها هو داخلها يحترق، فما كانت إلا لحظات حولت حياتها من بياض إلى سواد و من نور إلى ظلام و من بداية جميله إلى نهاية مرعبه، ها قد انتهى كل شيء. بعد مراسم الدفن و العزاء بمدة أتى أخيها من خارج البلاد و بدأ بالإقامة معها في منزلها، و في هذا الحين قررت أن تقوم بزيارة قبر عزيزها بمفردها، و في المقبرة، جلست بجانب قبره، بدأت بالبكاء حتى فقدت السيطرة على نفسها، بدأت بتذكره، بسماع صوته، بدأت بالجنون حقا، قامت بحفر قبره ب يديها، و هي تردد" لا يمكن يا محمد أنت وعدتني، أخرج فلقد اشتقت إليك أخرج" إلى أن رآها حارس المقبرة و أوقفها بعد جهد كبير، فاستلقت بجانب قبره و ظلت تبكي إلى أن غطت في نوم عميق و هي في حالةٍ مزرية. عادت إلى المنزل، دخلت غرفة حبيبها، و هي تشم رائحته المخزنة على جدران غرفته، فتحت خزانته التي لم تتمكن من فتحها من قبل أبدا، نظرت داخلها، دار شريط ذكرياتها معه إلى أن قطع ذلك الشريط صندوق صغير كتب بجانبه " إلى والدة الشهيد محمد"، أخذت الصندوق و يداها ترتعش و جلست على حافة السرير، و إذ بداخله رسالة، فتحتها و بدأت بقراءتها و الدموع لا تفارق وجنتيها.

الاسمبريد إلكترونيرسالة