بقلم الكاتبة أ. شريفة زرزور - صحيفة إنسان
سأبدأ
مقالاً بعنوان كلاسيكي لا أجد بداً منه هنا و هو : وداعاً محمد إن لله و إن إليه
راجعون ) .
رحل قنوع من لا أعرف عنه سوى أنه فنان
محترف لطالما أمتعنا بمشاهد درامية متنوعة أضحكنا و أبكانا و تفاعلنا و تعاطفنا مع
كل شخصية تقمصها و تمكن من أدائها بإحساس عالي شأنه شأن ممثلين سوريين قديرين من
أجاد و برع و صنع فحوى الدراما السورية و كان جل همه إيصال رسائل هادفة تحاكي
الواقع فتبهر العقول و تلامس القلوب .
غير أني لست هنا بصدد تقييم شخصية محمد
قنوع و لا بصدد ابداء رأي بمستوى أعماله أو مدى إحترافيته ، فرأي لا يقدم و لا
يؤخر . المقصد من المقال هو الحديث عن مارد عظيم يدعى الموت يأتي ثقيلاً يتهاوى
على رؤوسنا كمطرقة حديدية و قد قدّت من نار ، يدق ناقوسه في الأرجاء بكل جرأة و
فظاعة ، يملك صلاحية تامة و لديه سلطة عليا مطلقة تخوله انتقاء من يشاء و كيفما
يشاء و حيثما يشاء ، لا يستثني أشرافاً و لا ملوكاً و لا نبلاء دون قيد يسلبنا
حياتنا عنوة و يتملك نفوسنا بقسوة و يقبض ملكه المدعو عزرائيل أرواحنا الآمنة دون
استئذان و دونما أي إنذار ، و بكل طواعية ننساق لأوامره ، نتوه في خضم هيمنته لا
حول لنا و لا قوة ، يعزُّ علينا أحباءٌ حولنا يتلهفون لمزيد من معارك الحياة معنا
،، نترك كل عزيز خلفنا ليندبنا و يبكي علينا ، نترك أماً ثكلى و أخاً مفجوعاً
يرثينا و أولاداً ينتظرون قبلة الفجر تطبع على جبينهم الغض عند الصباح ليستفيقوا
لمقابلة أيامهم اليانعة بشجاعة و حماس ،، نغادر شلة الأصدقاء متخلفين عن مواعيد
قطعت بالأمس من أجل لقاء لاحتساء الشاي في ذات المقهى القديم بانتظار تجاذب نفس
الأحاديث بذات النكهة و ثرثرة سخيفة لكنها حميمية و دافئة ، ماذا نترك أيضاً ؟ نعم
نترك كل هؤلاء ، الأهل و الأولاد و الأحباء و الأصدقاء ، نترك أوراقاً تحتاج
توقيعنا لتتم صفقة العمر ، نترك ذكرى هنا و ماض هادئ هناك و نغادر حاضراً مبعثراً
يحتاج منا لملمة و تنميق لنخوض غمار تحدياته .
هل بإمكاننا أن أقول مهلاً أيها الموت؟
امهلني أياماً لأحضر الأفراح المتراكمة في أجندة أعوامي القادمة تنتظر حضوري بدهشة
، و أنتظرها بشوق و لهفة ! مهلاً هناك واجبات عائلية و أخرى اجتماعية مهمة علي
تأديتها ثم أرحل معك بوقار ، مهلاً عيد ميلاد ابني العاشر بعد أيام قليلة بانتظار
هدية تليق ببوادر شبابه ، مهلاً أيها الموت لدي خططاً مهمة و جاهزة
لا مهلةٌ ، لا إنذارٌ ، لا موعدٌ ، لا
هدنة .
اللقاء صارمٌ و صاعقٌ و صادمٌ ، لقاءٌ
كارثيٌ بيننا ، لقاء مقيتٌ ، مخيبٌ للآمال و الأماني ، لقاءٌ عارٍ عن التوقعات و
الاحتمالات و خارج نطاق الحسبان لكنه لابد منه و لا مفر منه . متى و أين و كيف ؟
،، تلك نهايات غامضة ، نهايات على غير عادتها المشوقة مثل كل النهايات ،، إنها
مفجعة إنها حزينة ، نهاية مع شجون و ألحان شجية ، مع غصة و حرقة و ألم ، إنها
قاتلة و مميتة و مدمرة .
مهلاً أيها الموت ربما هذا هو العنوان
هو الأنسب في نعي الراحل محمد قنوع .