JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

صُمٌ، بكمٌ، عمٌ



بقلم الكاتبة العراقية أ. زينب حيدر - صحيفة إنسان


 لم تكن لديهم الحجة الكافية، انتهت صلاحية  كل الذرائع ، لم يبقى شيء ليختبئ، كل الامور باتت واضحة جلية، اكتملت الصورة، ولكنهم لم يطردوا القاتل! ، والمُبتز، والمرائي، والمحتال، تكلم البعض!، وقدم شكوى للقاضي!، وعندما طلب شهادة ابناء قريته!، اختاروا السكوت، مخافة على عوائلهم، كذبوا أعينهم ، لا الومهم فالخبز أصبح غالي وهو الخباز الوحيد في القرية، من أين لهم أن يأكلوا ويعيشوا، رفضتُ لمدة الاستسلام ومعي اصدقائي!، كنا من فترة لـفترة نحتج، وتتصاعد اصوات الهتافات ضد الخباز الحالي!، ولكن متى!، فقط عندما يقترف جريمة اخرى، نحنُ لا نثبت على موقفنا!، وليست القرية أجمع متعاونة، لكي نستطيع طرد العدو الشرير !.. صمدنا لفترة ليست هينة، الى ان بدأ الخباز بِقطع الخبز عنا رويداً رويداً، حيثُ بدأ بقطع الدقيق، بعدها الماء، والخمرة، بروية لكي لا نُحس بتهديد مباشر، بدأ اصدقائي بالانسحاب هم ايضاً ببطئ واحداً تلو الآخر، من حقهم، لديهم أمهات تخافُ عليهم، وها انا وحيدٌ اجلس امام محل الخباز السارق، ليس لي الا ورقتي وقلمي، متسائلاً كيفَ لاهل القرية ان يرضوا بأكل لقمة محرمة، من اموال مسروقة، منهم!، كلما تعمقت بالامر ازداد غرابة وطيشاً!، اهتزت نظرتي تجاه موقفي لوهلة، بأني قد اكون مخطئاً وهو انسان طيب!، واذا به يصحح نظرتي عندما اخرج رأسه من حجره كالأرنب باحثاً بعينيه عن ما يمكنه سلبه!، تقدم الي بكل ثقة وسألني بأني اعرف حقيقته كاملة، فما رأيي بعشاء فاخر عنده الليلة!، وافقت لأرى ماذا سيحدث!، طرت على بالي فكرة أن اكون قريباً من العدو لأعرف بماذا يفكر وينوي!، ظننت بأني اذكى منه، يالسخافتي، وها قد حل المساء طرقت الباب فـ اذا بأحد خدم سيادته تفتحه لي ، تفضل سيدي ،مشيت خلفها وانا مذهول بمدى جمال المنزل!، وفي داخلي نار لأن هذا كان بأمكانه وضع القرية بأحسن حال!، هذه كلها اموال اهل القرية!، سرحت لوهلة افكر ان الضمير من الاخلاق والدين والتربية والعيب، فما الحجة التي سيتخذها لتغطية فعلته هذه المرة، انتابتني نوبة خوف طفيفة، لديه كل هذا، سيكون لديه قاتل جلاد يسلخ جلدي عن عظامي بالتأكيد، هل سأموت الليلة، قاطع سيل افكاري المتهاوي احدهم سألني ألتفضل للعشاء، وان السيد بأنتظاري!، مشيت خطوات ثقال، مردداً بأني امشي الى حتفي بقدماي وارادتي، كما اهل القرية، وكل من يختار السكوت متلبساً بحجة خوف على عائلته!، يجب على احدهم اخبارهم بأن خوفهم الان يعادل حياة الاف العوائل ، ويـدفع ثمنه امهات فقدن اولادهن بغتة بدون ذنب او خطيئة تستحق ان يِقتلوا وهم يلعبون كرة القدم في احد الشوارع، الصورة الطبيعية للمجتمع معدومة هنا، لابد ان يتخللها خوف وندم وتأنيب وقتل او خطف، وصلت طاولة السيد القى علي التحية، هالة الغرابة والغموض تسود هنا، جلست امام طاولة تحتوي على جميع اصناف الطعام، وقد اغراني بوضع الخبز بأكثر من شكل وحجم، بدأنا بالاكل بدون كلام، اجزم بأن الريبة تعلو ملامح وجهي الشاحب من فرط التعرض لضوء الشمس حيثما كنت جالساً اطالب بتغريبه من القرية، وها انا جالسٌ امامه نأكلُ على مائدة واحدة، كيف لي بأن اضع يدي بيد سارقي!، هل جننت، لولا انه قاطعني بسؤال لكنتُ اهتجتُ في وجهه، صفق لي واطرى على ثبات موقفي والتزامي بمبدأ كونه سارق، وأعترف بفعلته ، ثم قال لي بأن اكمل طعامي، وهو يسرد علي بطولاته في نهب اهل القرية، لم استطع الاستمرار في الاكل، احسست بنوبة غثيان كل ما اكلته في وجهه، التفتُ الى تلك السكين الامعة امامي وتخيلتها في رأسه، واذا به يقول بنبرة مريبة، اكملت طعامك!، اجبته بأني شبعت، صفق بيديه مرة واحدة، فـ وصل كوب الشاي، وسألني التفضل الى غرفة اخرى، لا اعرف ما حدث، وأجهلُ الان ما يحدث، كان كل تفكيري بأني لم اودع أمي جيداً، كرسيان وطاولة بجانب نافذة لديها اطلالة جميلة على اشجار الارز، انها اقتصاد القرية، لطالما كان أرز القرية فريداً بالطعم ورائحته الزكية التي تجلب انفك من بعيد، الى ان تقترب وتجد الشجرة جذعٌ خالي، لا احد يعلم السبب، كانت ليلة عادية والقمرٌ امسى بدراً يسر الناظرين، عكس صباح اليوم التالي، كأن احدهم ارتكب مجزرة بحق الاشجار، مستعملاً منشاراً بدل سلاح رشاش... صعقة هزت كل مُزارع ادت به الى الافلاس، او الاغتراب، مردفاً: لقد سلبوا مني ذاتي، كنت ارى في الاشجار نفسي، ما الذي يدعوا للبقاء هنا بدون ذات، سأبحثُ عنها في مكان اخر... صحوت من غفلتي على صوت وضع الكوب على الصحن، كان كـضربة تكفلت أيقاظتي من غفلتي، لا عجب ان من يسرق مرة بأمكانه سرقة اثنين، احتلت وجهي ملامحٌ استنكار ما يحدث، وما حدث، ترجيتُ قدماي بأن تعينني، وقفت ،

 اعتذر ولكني يجب ان اذهب زوجتي مريضة لا يمكنني التأخر اكثر..

السيد:اولست اعزب!.. 

انا:لقد تزوجت مؤخراً، لطالما اخبرتني امي بأني افشل فشلاً ذريعاً بالكذب.. 

السيد:حسناً، طاب مساءك، مد يده يصافحني.. 

لقد قبلت بألجلوس مع العدو، على مائدة واحدة، اما وضع يدي بتلك اليد التي سلبت كل ما يمكن سرقته، ونهبه ، مستحيل، لم امد يدي.. اكتفيت برد التحية وادرت وجهي مطأطأ الرأس، ماشياً بخطوات سريعة وفي داخلي كلام تكدس اود ان احرره بوجه احدهم، أي احد.. فتحت الباب وخرجت بسرعة كأن احدهم يلاحقني، كنتُ خائفاً من حتفي.. 

ركضت مسافة عن البيت وبدأت احاول التقاط انفاسي، انا الهث وحياتي تواً مرت امام عيني من يوم الولادة الى الوفاة الوشيكة.. 

وصلت الى المنزل، وقفتُ لثواني اتأمله ، كيف بإمكان المأوى المخصص للامان ان يتحول الى سجن، يتوجب عليك التزام البقاء فيه من قِبل الخارج الخطير، الامان شعورٌ جميل، نحنُ خائفون ونورث خوفنا الى اطفالنا، بأبقائهم في المنزل بحجة الامان، القرية وطنهم ويجب ان تكون شوارعه كأمان المنزل، يجبُ ان يكون ملاذ، نستمد منهُ قوة لا رهبة ومخافة، حتى بقية القرى اصبحت تستهين بنا كثيراً، انهم يشفقون علينا، يحاولون التخفيف بمديح وصفنا بالكرم والجود والطيب!، مع انها صفاتُ فطرية بشرية يجب ان تكون في كل بشري، لا يعلمون بأننا سنتخلى عن كرمنا ممتنون عندما يطلب السارق منا ذلك.. لأنه بات يمتلك الماء والخُبز، انهُ يتبرع بهم للقرى المجاورة وابناء القرية واقفون يطالعونه صراخاً، لا أعلم ما هي خطيئتهم التي يدفعونها بهذه الطريقة البشعة، هل بنتُ السارق تحبُ احدهم!، لذلك من فرط غيرته عليها يقتلهم جميعاً!.

الاسمبريد إلكترونيرسالة