JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

جغرافيا الإغتراب




بقلم الكاتبة العراقية أ. فاطمة حسين – صحيفة إنسان

 

في رواية الجهل لميلان كونديرا قال إن أولئك الذين يهاجرون بلادهم ولايترددون  لمواطنهم مثل إيرينا أو عوليس يصابون بفقدان الذاكرة كلما أشتد حنينهم، كلما فرغ أكثر من الذكريات

لربما لم يكن يقصد ميلان كتابة فكرةً جيدة  بقدر ما أنهُ كتبَ فكرةٍ مؤثرة تكاد أن تلامس شيكاجو المغترب لحنينه لوطنهِ

طالما ذكرَ أن الأحلام الجميلة وتقدم أوطانهم يرونها في النهار وأما أن يحل الليل حتى تكون أحلامهم هي الجانب المُرعب من  هذهِ البلدان.

لم أكن مهاجرة خارج البلد في فترة ما قد مضت لكن كنت مهاجرة ومنفية في نفس البلاد ومغتربة من منزلي ومدينتي الأم يؤسفني أن شعور الأمان الذي كانت تشعر فيه إيرينا في فرنسا وهي مهاجرة من بلد التشيك لم أشعر بهِ قط

فعندما كنت اتجول تلك الشوارع في إحدى مدن بلادي الأم كان شعور الحنين في داخلي غريب، اتذكر ذلك الطريق   الذي كنت أسير فيه ذات مرة بقصد الذهاب والبحث عن مدرسة عربية أستطيع فيها أن أنافس اقراني في تلك المرحلة. لم أكن أنظر لتلك الأشجار في الشارع  كما تنظر إيرينا بأنها أشجار  تشيكية  رغم أنها أشجار باريسية

بل أساساً لم أكن أرى اي شيء لدرجة إنني عبرت الحي الذي  أسكن فيه وما أن عدت حتى تذكرت لماذا لم أبحث عن الهدف المنشود؟"المدرسة"

لم يكن  شعوري في وضح النهار في كل يوم حنين المغترب الذي يريد العودة لبلادهِ او مدينتهُ الأم بقصد الحب الذي يفتقدهُ بل كان شعور التوق لرؤية أولئك الأطفال المُدمية أحلامهم وهم يصارعون القتل، وحتى يحل الليل وتنغمس البشرية بالنوم تتخلل في لاواعي عقلي الأحداث التي لم أسمع عنها في نهار مدينتي الأم "كما تقول إيرينا: كل المهاجرين على الإطلاق يحلمون بالجزء المؤذي من مواطنهم والسبب الذي دفعهم للهجرة."

لم أجد جواب لتساؤل واحد  وهو لما يتغنى الشعراء والكُتاب والمطربين بالغربة  للاوطان  او لماذا نشعر بالغربة والحنين لأوطاننا رغم إننا نسكن فيها عندما نسمع كل هذهِ الأناشيد؟

اليوم بعد سنوات من هذا التساؤل وجدت الجواب الذي طالما كنت أستفز فيه  معلمة الجغرافية في مكنون فكرة  رسم الأوطان على الخرائط هي فكرة عبيطة طالما كل وطن يُرسم  بشكل سينمائي داخل لاواعي المواطن الذي ينتمي لهذهِ البلاد فما حاجة  لرسم الخريطة في الامتحان؟

وأما عن شعور الغربة والحنين للوطن فلا أظن أنه  توجهً عاطفي عابر بقدر ما هو نحت من رسم غائر  الأوطان في عقولنا وقلوبنا، لأن الغربة لا تقتصر على أولئك المهاجرين خارج البلاد بل في داخلنا نحن  سكان هذهِ البلاد عندما نتغرب داخلها من مدينة  لآخرى، فشعور الهجرة بإرادة الفرد لا أظن تصاحبهُ أشواقٌ وحنين بقدر ما تصاحب ذلك المواطن الذي هاجر لأسباب خارجية تفوق إرادتهِ، والتي أشبه بالسحر المُلقى الغاشي عقلهِ في كل لحظة يسمع بها أسم مدينتهِ الأُم.

الاسمبريد إلكترونيرسالة