JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

أمنيّة ووصيّة




بقلم الكاتبة الفلسطينية أ. نبأ التاج -  صحيفة إنسان

 

لعلّك الآن جالس على كرسيّ مكتبي الأبيض، تتحسس أشيائي المبعثرة علّك تجد بعضاً مني.. بقايا لمساتٍ وحبٍ اعتدت تركها هناك. تلمح عيناك صورة التقطت ابتسامتي العريضة التي لا يرسمها على وجهي أحد غيرك، وهناك تحتها حيث تجده.. مغلّفٌ يحوي قلبي على شكل وصيّة.

ترتعش أناملك وأنت تفتح آخر ما تركته ورائي قبل الرحيل، تخونك مقلتاك وتنهمر دموعك قبل أن تبدأ، فتمسحها في تماسك مزيّف وتضع نظاراتك على عجل، ثم تقرأ:

"أكتب إليك وصيّة موتي الذي لا أدرى متى سيحين، وفي قلبي أمنية ورجاءٌ معلّق أزرع تلهّفي إليه في كل حرف أنقشه هنا.. على الورقة البالية المضمّخة بدموع ابتهالاتي.

رجوت الله دوماً أجلاً أموت فيه قبلك، أن يواري جسدي التراب قبل جسدك، أجلاً أتلفظ فيه بآخر أنفاسي وأنت لا تزال حياً ترزق.

كنت أرى سنين العمر بادية في تقاسيم وجهك، حيث يغزو الشيب رأسك، وتسلبك الهموم عافية لكم تمنيت دوامها عليك، أراك بدأت تتّكز على الأشياء من حولك، أو تخطو خطواتٍ عرجاء بعد أن خانتك قدماك. أراك لا زلت مبتسماً تخفي آلامك عنا حتى نضحك سوياً وتئن فيما بعد وحدك.

ولست تدري يا أبي، كم أحببت رؤيتك تضحك، سعيت وعملت وضحّيت لأرى ابتسامة تشق وجهك الجميل في كل لحظة، وكم مرة خبأت سعادة قلبي الذي ينهض في كل مرة تشرق فيها ضاحكاً يا شمس صدري. آه لو علمت كم صعب على قلبي أن تساوره هواجس فقدانك، فكيف أحيا في مكان أنت لست فيه؟ فما وجدتُني إلا خررت ساجدة لربي في عجز عميق، أتضرع إليه ليأخذ روحي المتعلّقة بكل تفاصيلك.

وفي الحقيقة إني لا زلت أتضرع، وأحن إلى يومٍ أغادر فيه عالماً ينعم بوجودك، فإن كنت تقرأ الآن سرّي الذي لم أبح به إلا لله وحده.. فيبدو أن حلمي تحقق، فالحمد لله يا أبي، فإنّ الله أرضاني، فهل لك أن ترضيني أنت كذلك وتعيش غداً تضفي إليه النور والبهجة بسحر ابتسامتك؟"

هل أنت الآن.. تبكي؟ لست أدري، فما هذا إلا مجرد تخيّلات نسجتها من وحي اشتياقي إليك، والآن أنا سأنام في سلام عميق.. دفئني واحتوي جسدي البارد أيها التراب.

الاسمبريد إلكترونيرسالة