JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

لماذا رمضان؟




بقلم الكاتبة المصرية أ. أمل عبد الله - صحيفة إنسان

كعادتنا دومًا، نلهث خلف أعمالنا ودراستنا ومهامنا المتراكمة علينا، ثم فجأة يأتي إلينا هذا الشهر المستعجل، هذا الشهر الذي لا يأبه بكل ما نمرّ به من أحداث شخصية أو سياسية أو صحية أو جغرافية.. يأتي إلينا في عجل ويُحذّرنا بأنه "أيامًا معدودات"، فننفض ما بيدنا ونرحّب به بكل حفاوة وحب، وأحيانًا أخرى نستقبله بكل تأفف وضيق، متمنين أن لو تأخر يومًا أو يومان (وإن كنّا لا نُظهر ذلك تأدّبًا).


نتبادل التهنئة بقدومة، ونُذكّر بعضنا بالأحاديث والآيات القرآنية التي تحثّنا على حسن استغلاله؛ لما ينطوي عليه هذا الشهر من فضائل عظيمة ومغفرة كبيرة وعتق من النار... 

ولكن، لماذا رمضان؟ لماذا كل هذا الأجر العظيم والمغفرة الكبيرة؟ لماذا كل تلك الفضائل؟ لماذا أقل الأعمال فيه تُدخلنا الجنة وأقلّها تُخرجنا من النار؟


صحيح أن الله غفور رحيم وهو يُعطينا دائمًا وبلا حدود، ولكن الأمر في حقيقته أشبه بالطُّعم الذي نضعه في الصنّارة لنستدرك الأسماك إلينا (ولله المثل الأعلى طبعًا).


الله يحبك ويريدك أن تسير إليه دائمًا وبخطى ثابته؛ لذا يضع لك هذا الطُّعم في الصنّارة ويهديك بشهر واحد في السنة مليء بالفضائل والمغفرة ودخول الجنة والعتق من النار، وفوق كل هذا يُصفّد لك الشياطين ليُعينك على استغلال هذا الشهر.. يُعطيك الكثير والكثير من خزائنه في شهر واحد فقط.. نعم، إنه شهر واحد في السنة يمكن أن يمنحك المغفرة عن كل أعمالك التي فعلتها طوال السنة.. الحقيقة أنه استدراك جميل، وإغراء من نوع آخر، إغراء مليء بالحب والرغبة في الوصال الدائم.


هناك تعبير مشهور عند الصوفية يقول: "مَن ذاق عرف ومَن عرف اغترف".. وهذا هو بالضبط رمضان بالنسبة لبقية السنة، فمن ذاق حلاوة العبادات برمضان سيغترف منها طوال العام.. وهذا هو الاستدراك الجميل؛ فهذا الصيام، وتلك الصلاة، وهذا الذكر والقرآن، وتلك الأجواء والوعي الجمعي برمضان، لا بد أن يَعْلق بك شيء من كل هذا، لا بد أن تترسّب بداخلك مشاعر وأحاسيس لم يسبق لك أن اختبرتها، لا بد أن يستقيم شيء بداخلك.. هذا الذي لا بد أن يحدث وإن كان لا يحدث دائمًا.


رمضان يمنحك فرصة التعوّد، ويمنحك فرصة الصبر ومحاربة الكسل، إنه فرصة للتغيير، إنه يُريك جانب القوة في ذاتك..


وكما يقال إن الإسلام هو مجموعة من التوازنات بين الروح والمادة، الرحمة والقوة، الفرد والجماعة.. ففي رمضان تتجلى تلك التوازنات وتتحقق، فتسمو الروح للتوازن مع المادة، بعد أن أصبحنا في عالم تسوده الماديات والمحسوسات فقط، وبالصدقة والصوم تتوازن الرحمة والقوة، وبصلاة الجماعة يتوازن الفرد مع المجتمع، فتذوب ال (أنا) في ال (نحن)..


لن أطيل عليكم، فكلنا نعلم أن رمضان فرصة عظيمة جدًّا لطيّ الصفحة القديمة وفتح أخرى جديدة لك مع الله، فلا تُضيّع هذه الفرصة واحرص على ألا تخُطّ الصفحة الجديدة بالحبر والكلام نفسه، وإلا فما فائدة رمضان؟ فكما يقول دكتور أحمد العمري: "رمضان ليس من أجل رمضان فقط، رمضان من أجل بقيّة السنة".

الاسمبريد إلكترونيرسالة