JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

لوعة المصير



بقلم الكاتبة السورية أ. مناز تيناوي - صحيفة إنسان 


تهاوى كِتابُها من يدِها، لتُجهَض مِنه ورقةً كانت مطويّةً ستّ طيّات، حول جوريّةٍ سوداء كانت بالأمس البعيدِ حمراء، عُمرها يتراوحُ بين الستينَ نبضة ومئة وتسعين دمعة.

دفعني الفضول لقراءةِ فحوى تلك الرسالة السريّة، التي كانت مُختبأةً في أحشاءِ رحم كتابٍ مُهترىءٍ قديم، فتركتها مغمضة العينين وبدأتُ التلصُّصَ على أحرفٍ مُتعرِّجةٍ مُرتجفةٍ كُتبتْ بصعوبةٍ فقرأتُ:

اغتَصبني النَّصيبُ، ضاجع براءةَ أُنوثتي البيضاء، وأنجِبُ خمسَ عُقودٍ سوداء، امتصَّ كلَّ نِمشةٍ من جسد أحلامي، وجلس يُقلِّب بلسانِه بقايا أمنياتي العالقةَ بين أنيابه الصفراء.. 

نهبَ ألواني وتركني عمياء أُهرولُ بين صفحاتِ الكتبِ، أهرب من حرف جرٍ إلى حرفِ عطفٍ، أقرع باب الضمّاتِ كلّها فلا تحتويني سِوى كِسّرات الكلماتٍ التي بلا روح..

أجوبُ عرض الصحراءِ وأصرخُ، أيّا عمري الذي انقضى أغثني أغثني، وأرتمي هُناك خلف قافلةِ العمرِ، أوثقُ هزائِمي بأبجدياتٍ تتأرجح على حِبال النّدم حيثُ صدى صَوتي يزفُّ نواحِيَّ في سراب الصحراء، لتبدأ رحلة عمري التي شاخت وماتت قبل أنْ تحيا..

ألتفُّ حولَ نفسي، وأضربُ الكفَّ بالصدرِ وأبكي، أندمُ وأبكي، أتألمُ وأبكي، أُنادي، ألطم، أندب، أغضب وأبكي، فيداعب الموتُ رُموشي، ويُمشِّط القمرُ شعري، ويغفو الليلُ فوق صدري، ويُقبّلُ الهواء ثرى عقودي..

لأعودَ وحيدةً مثلما خُلِقتُ تحتضِنني السماءُ ولا تتسعني الأرضُ، ذكرى لحسناءٍ تفنَنَ النّصيبُ بنكاح عُذريتها.

ارتجفتْ الرّسالة بيديَّ وكادت تسقطُ، لكنَّها عانقت أصابعي كلّ أصابعي وهطلت حروفها في حِجري دموعاً لا مطر، لأجلس مذهولةً كيف لعجوزٍ نذرت العطاء سنيناً بلا ثمن، أن تتمرَّد الآن على نذرها وتتهاوى في أحضانِ تعبها كروحٍ صامتةٍ لم يسمع نزاعها أحد..

الاسمبريد إلكترونيرسالة