لقد جاء
أكتوبر يحمل معه دزائن من الألوان و اللوحات المثيرة ، كعادته النشيطة و الصاخبة
غير الكوكب بكل تفاصيله ، ألقى بسحره الخاص في تكوين بيئة انتقالية بين هدوء
الربيع و نسماته ؛ و قسوة الشتاء و فظاظته ، جاء مغدقا علينا بزخاته السخية ، و
أجوائه المتقلبة بين الأيام الغائمة ؛ المشمسة و المختلطة بين الحالتين في أحيان
كثيرة ، ليهدي أيامنا الخريفية طوقا ملونا تتزين به سماؤنا المدللة و تتمتع به
أنظارنا كنوع من الرضا و الفخر ..
في العام
الماضي و في شهر أكتوبر ، كنت قد خبأت تحت شجرة التفاح المجاورة لمنزلي ، فانوسا
سحريا صغيرا ، حمل في جوفه سري الصغير الذي تكرر على مدى أيام طويلة لم أكن أرغب
بإخصائها لأني ورثت معتقد أن عد الأمور الثمينة يفقدها البركة .
كان المارد يحقق أمنيتي كل يوم دون تذمر ، فينقلني على قوس قزح لأحط فوق غيمة
سحرية تأخذني بشكل يومي إلى ساحة التحرير ، كنت أطوف بها و كل الشوق أن أهبط هناك
، لكني كنت أعود بلمح البصر ، ليتكرر ذلك فيرضيني القليل الذي لا يشبع شوقي و
لهفتي ..
هناك حيث صنع
أبناء العراق وطنا جديدا بمعالم لاهثة ، رغم محاولات حرقها المستمر إلا أنها كانت
كالعود تزداد طيبا كلما احترقت ، تزداد بياضا كلما أضرمت فيها النيران ، تتأجج
ببسالة كلما أطلق عليها صنوف من العذاب و القسوة ، هناك حيث كان الموت لا يعني إلا
روحا جديدة تتوحد مع روح الثورة العظيمة لتزيدها هولا ، ألقا و جمالا ، هناك حيث
كنت أهبط كل يوم فوق غيمتي فأدعو أن يقروا عيونهم بوطن يستحقونه ، و يعلقوا أوسمة
أسطورية سيكتب أنها كانت بروح عراقية شامخة و نضرة لم تمتد إليها أطماع تغير
فطرتها النقية في الذود عن حرية الوطن و أبنائه ..
و لأنني ولدت
في الشهر الذي ولد فيه جيل ثائر يلفظ كل صنوف الظلم ، جيل متمرد كأكتوبر الذي يغدق
علينا بتقلباته و سحره الفاتن ، الذي لا ينبس يفاجئنا بتتابع بقدرته على تغيير
موازين الأمور لجعلها أكثر روعة و سحرا ، كما حدث تماما هناك في ساحة التحرير ..
سأكرر للعام الثاني على التوالي ، أنني أكتوبرية بامتياز ، و يزيدني
شرفا أنني من مواليد شهر الثورة .