بقلم الكاتبة السورية أ. شريفة زرزور - صحيفة إنسان
أتخيل
أني غدوت امبراطورة البلاد .
أتخيل
أني أجوب العالم على صهوة جواد .
أتخيل
أني أطير في عالم يفوح بالجمال و الأمجاد .
لنا
في الخيال حياة ، و لنا في الخيال سعادات ممشوقة تمخر السماء تمتد كمحيط أمام عيون
حالمة تواقة للبهجة و الفرح و السرور
سأطلق
العنان لخيالي كانطلاقة فارس مغوار ، أو كسهم يصوب من رمح رام متمرس على مرمى جائر
متمرد .
سأنعم
بحياة طالما رجوتها و ابتسم مرحبة بقدومها تماما كما شئتها و رسمتها بأناقة ريشة
فنان .
سأستنشق
شذى شجرة ياسمين ترتخي بدلال على جدار قلعة دمشق العتيقة تروي له حكايات عشاق من
مروا بها و استعاروا زهرها ليزينوا أحلامهم الباسقة ، و سأرتشف القهوة المرة تحت
ظلالها و أغفو على هدهدة حضنها .
سأستيقظ
على أبواب القدس متأملة عظمتها منتشية بصلوات في مصلى قبة الصخرة و هالة الكنائس
المجيدة ، ثم سأغزل جناحين جسيمين لأحلق إلى سماء أرض تتكحل بزرقة النيل و أراقب
بخشوع أهرامات مصر العظيمة حيث سأتركها متربصة للآتي بكل تحدي لألبي دعوة رسمية
فخمة من ملوك بابل لمجالسة الأطلال الأثرية و استمع لروايات الخلود و أفتح حديث
بطول دجلة العراق لا يقاطعني إلا شهوة تنتابني على حين غرة لاعتلاء فرس بكل خيلاء
في مهمة سماوية للحرم الشريف أسجد أمام محرابه لأتلو آيات قرآنية .
ماذا
لو احتسيت القهوة الإيطالية في شوراع روما العريقة ، و وقفت برهة أتأمل الكاثدرائيات
المهيبة ، ثم أشهد مبارزة المتصارعين أسفل الكولوسيوم ذلك المدرج الروماني العملاق
.
و
ماذا لو عررجت بعدها على غرناطة لتسنح فرصة أمامي لتسلق جبال سييرا نيفادا إلى أن
يحل الشتاء بخيرات السماء البيضاء فأقصد جبال الألب و أبلغ قمة مون بلون ، تلك
القمة الناصعة البياض حيث يتجلى الجمال قديسا متنزه عن الأخطاء و العثرات ؟
افتح
عيني لأجد ابتسامة عريضة ارتاحت على وجهي ،
و
ألمس قلبي نابضا فرحا و طربا و تهليلا بجولة في دهاليز خيالي لم تكمل عشرة دقائق
من عمري درت خلالها الكون على قدمين دونما تعب .
اقتنيت
الحلي ، و قطفت أبهى الألوان و تذوقت ما لذ و طاب .
تقاسمت
الحب مع من أشاء و تجرأت على فعل المستحيل ، تحديت كل الطوارئ و الأزمات و تجاوزت
الأنظمة و القوانين فلا يوجد رقابة على الخيال .
أحلام
يقظة تسللت بخفة ساحر و عزفت على أوتار آمالي ثم استرخت كأمبراطورة جليلة تؤمر لتلبى
و تطاع فما يكون مني إلا إماءة من رأسي للولاء .
خيالي
أبهج يومي و حقق سعادتي المنشودة فتراءت لي مشيئتي جلية بددت أوقات مللي و شتت
سلبية طاقتي و استردت ايجابية أفكاري لأبهر الكون بإبداع ترفع له قبعات الحياة ، و
تستدرج أفكارًا أكثر تفاؤلا و أملا فالذاكرة كما تدرون تتصف بالترابطية فكل فكرة
تجر مثيلاتها بعدها كسيل جارف ، فالنستهل خيالنا بأفكار الحب و لنعصف ذهننا إيمانا
بالحياة الناجحة المفعمة بالسعادة بكل طقوسها و مراسم مكوثها .
فتخيلوا
يا أصدقائي ما تصبوا إليه نفسكم السامية و ظنوا بالله أن يقلب الخيال حقيقة أليس
الله من قال في محكم آياته :
(
أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فاليظن عبدي بي ما يشاء ) ؟
جوبوا
المحيط على رؤوس أقدامكم و اقطعوا الصحاري بسهام عيونكم و حطموا الجبال بأناملكم و اعزفوا على أوتار الغيوم ، ثقوا في خيالكم ،
فالخيال مجانا و منحة لجميع العقلاء .
اذا
دعونا نتخيل الجمال و النجاح و الصحة و الحب
و الأمان ، و لننأى بأنفسنا عن التشاؤوم و الحقد و الكراهية .
فالخيال
سعادة يجر سعادات .